حول الإتفاق الإيراني
http://egytube5.blogspot.com/2013/11/blog-post_467.html
حول الإتفاق الإيراني
المتغيرات التي تعصف بمنطقتنا سريعة وكبيرة، تحمل في ثناياها تحديات وفرص، مما يستدعي قدرا كبيرا من الوعي بمآلاتها وتداعياتها.
الاتفاق الذي وقعته القوى الكبرى مع إيران يفتح صفحة جديدة في موازين القوى الإقليمية، ويأتي هذا الاتفاق بعد سلسلة من الوقائع كان أهمها الانقلاب الذي شهدته مصر في ٣ يوليو ٢٠١٣.
كان الانقلاب زلزالا استراتيجيا بامتياز، حاولت الدول الداعمة له إعادة تشكيل المنطقة وفقا لخطة ظنت أنها ممكنة التحقق، يُقصى بموجبها الإسلاميون من المشهد في مصر وتونس وليبيا وغزة واليمن، ويتم وفقها السيطرة على مجرى الأحداث في سوريا، من خلال ضربة عسكرية أمريكية لكل من النظام السوري والقوى التي تعتبرها هذه الدول متطرفة، وبذلك يمكن للقوى (المعتدلة) ان تهيمن على الواقع السوري، ومن اجل ذلك لا بد من إقصاء تركيا وقطر، المتهمتان بدعم أطراف سورية (متطرفة)، وإذا ما تمت السيطرة على مصر وسوريا فان محور (الاعتدال الجديد) سيهيمن على الشرق الأوسط، وسيقود المنطقة نحو تحالف مع الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي، ويحاصرها ايران ويمهد لمهاجمتها عسكريا.
المشكلة في هذه الصورة المتخيلة للشرق الأوسط أنها كانت موغلة في المثالية السياسية، وشابتها حسابات خاطئة، وأثبت الشهور الأربعة الماضية خطأها: لم تستقر مصر للانقلابيين وتحولت الى عبء اقتصادي كبير على رعاة الانقلاب، ولم تنجح المحاولات الانقلابية في تونس وليبيا وغزة واليمن، وأحجمت أمريكا عن قصف النظام السوري بعدما أبرمت مع روسيا صفقة لتدمير السلاح الكيماوي، وعندما أدركت تركيا أنها محاصرة تواصلت مع إيران، وبدأت معها حوارا حول العراق وسوريا، وجاء الاتفاق الإيراني الغربي صفعة قاسية للتحالف (المعتدل)، وجاء لينقلب المشهد في هذه المرحلة من دول تحتفل ب(الانتصار) في مصر على حكم الإخوان إلى دول تشعر أن الواقع الجديد يعزلها ويضعفها ويجعلها هشة في واقع إقليمي جديد لبست مدعوة حتى للمشاركة في رسمه.
لا يمكن للسعودية من دون مصر أن تشكل توازنا إقليميا مع إيران وتركيا، وبما أن مصر اليوم منهكة ومنشغلة بأزمتها بفعل الانقلاب وتداعياته المستمرة، فإن العرب اليوم هم أضعف الأطراف الإقليمية وأكثرها تشرذما، وفي الوقت الذي كان من الضروري التحالف فيه مع تركيا ذات الثقل الاستراتيجي الموازي لإيران، فقد خسرت دول (الاعتدال) هذه تركيا، في نفس الوقت الذي انكشف فيه الغطاء الامريكي عنها رغم رسائل التطمين التي تصدر عن الإدارة.
أما روسيا التي انطلقت لتحصد من العرب غنائم سريعة، فلن يغير اهتمامها بمصر من توازنات القوى، ولن تمثل بديلا للغطاء الامريكي. وينبغي الا ننسى ان روسيا لا تزال داعما رئيساً لنظام الأسد، ولها مصالح كبيرة مع إيران، كما أنها منتجة للنفط، أي أنها منافسة للسعودية، ويخدم اقتصادها استمرار حالة القلق وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط، لان ذلك سيرفع أسعار النفط والغاز وسيعطي موسكو فرصة لتلافي أزمة اقتصادية بدأت تلوح في الأفق الروسي.
من المبكر بالطبع الحكم فيما اذا كان اتفاقا نهائيا بين الغرب وإيران سيكون يسيرا، ولكن من المؤكد ان أمريكا وإيران يسعيان بجد لإنجاز اتفاق، لما فيه من مصالح مشتركة للطرفين، بل تحويل الاتفاق الى (صفقة كبرى) بينهما، فالامريكيون معنيون بمساعدة إيرانية لتأمين انسحابهم من أفغانستان، وتعاونها في سوريا والعراق، أما فيما يتعلق بإسرائيل فان الإيرانيين سوف يكتفون بتعديل سياستهم تجاه الدولة العبرية لتصبح كالتالي: (نقبل بما يقبل به الشعب الفلسطيني) ولن يستطيع وقتها العرب لوم ايران فقد كانوا السباقين الى انتهاج ذات السياسة.
هناك عامل مهم يدفع باتجاه (صفقة كبرى)، وهو أن أوباما معني شخصيا بنجاح العلاقة مع ايران ليشكل ذلك إنجازا شخصيا له، فكل الملفات التي هيمنت على السنوات الست الماضية من فترة حكمه كانت امتدادا لحقبة جورج بوش، وهذا هو الإنجاز الأهم له، وبإمكانه ان يقول الآن انه اخرج أمريكا من حرب محتملة بينما زج بها بوش في حربين مدمرتين.
لا ندري كيف ستتصرف السعودية وحلفاؤها حيال هذه التطورات، اذ تقتضي الحكمة ان تسارع المملكة الى تسوية الملفات العربية المضطربة، لا سيما في مصر، تتفادى آثار الانقلاب وتحقق استقرارا سياسيا، بما يسمح بتأسيس جبهة عربية موحدة، تتحالف مع تركيا وترسم استراتيجية للتعامل مع إيران، ولكن ان استمر الواقع على ما هو عليه، واستمرت سياسة إقصاء الإسلاميين واستعداء تركيا ، فإن المستقبل العربي سيكون معتما، تتجاذبه الخصومات الصغيرة، وتعصف به الحسابات الخاطئة، بينما تلتقط ايران أنفاسها وتستعد لقيادة المنطقة.

Post a CommentDefault CommentsFacebook Comments